«النجاح» و«الفشل» في كرتنا العربية
تحتاج كرة القدم العربية باختلاف بيئاتها وتقاليدها، إلى تحيين مجموعة من المفاهيم، حاجتها إلى الارتقاء بمنظومات التدبير والتكوين لمواكبة التطورات المتلاحقة التي تعيشها كرة القدم لفعل الدخول القوي للعلم كرافعة.
فكثير مما يروج في يومياتنا وتناظراتنا وحتى تداولاتنا بشأن كرة القدم، إما أنه متقادم ولا يقود إلا إلى اليأس والتبخيس ومحاذاة فعل التقويم والتصحيح، وإما أنه متهور أو جامح كالثور الأهوج ينثر الغبار فيعمي العيون عن مشاهدة الحقيقة.
يجري الحديث في مشهدنا الكروي العربي، عن «النجاح» وعن «الفشل» بتعريفات إما أنها موغلة في النرجسية، وإما أنها متكشحة بسواد الرؤية، وفي كل الحالات فإن هذه التعريفات «المتطرفة» و«المتجاوزة» غالبا ما تنعكس على معاملتنا للحالة المعاشة، بشكل يجعلنا نزيغ أو ننحرف عن جادة الصواب.
في مقاربتنا للنجاح وللفشل، غالباً ما نسقط في الشخصنة، فنربط المحصلتين معا ربطا تعسفياً بأشخاص وليس بمؤسسات، بمسؤولين لا بمنظومة اشتغال، وهذا أمر يحدث بيننا، وهو مناقض تماما لطبيعة الأشياء كما نراها عند غيرنا في محيطات كروية أخرى.
ننسب النجاح الكروي لقيادة رياضية لا لمؤسسة ولا لمنظومة عمل، فنسلب منه الطاقة الإيجابية المولدة للإبداع الجماعي، ولكم عاشت كرة القدم في هذا البلد العربي أو ذاك نكسات أعقبت النجاح الكروي، بسبب أن ذاك النجاح لم يربط بأهم مولداته.
وعندما يصيب الفشل بلداً عربياً، يطلب للمقصلة رأس مسؤول، يسقط صرح اتحاد الكرة، ويهيج الناس في طلبهم للقصاص كل المتهمين بوجع الشعب، ولا أحد ينتبه بعد كل هذه الإبادة، أن صانع الفشل الحقيقي ما زال حي يرزق، وقد تخفى بين تلابيب الجهل المعلن.
هل هناك من فشل أفظع وأنكى، من أن يهزم منتخب البرازيل في مونديال 2014 على أرضه وبين الملايين من مناصريه بسباعية أمام ألمانيا؟ قطعاً، لا يوجد، فماذا فعل رجال القرار في البرازيل بعيدا عن المآتم والمراثي وجداريات التباكي المنتصبة في الشوارع؟ هبوا سريعا لإغاثة المنظومة الكروية، سارعوا لإصلاح ما ظهر عليها من أعطاب، لم يعلقوا الناس ولم يقيموا محاكمة لمن يتهمون بصناعة الفشل، فما أطال البرازيل الغياب عن مشهد الإبداع والبطولات، بلغ الدور ربع النهائي لمونديال 2018 وحاز لقب كوبا أميركا سنة 2019، وهو اليوم في طليعة المرشحين للتتويج بكأس العالم القادمة.
اليوم تعيش إيطاليا مرارة الغياب لثاني مرة تواليا عن المونديال، وهذه لعمري أم المصائب، لكن إيطاليا لم تسقط اتحاد الكرة، ولا هي رمت بالمدرب مانشيني في مستنقع الإقالة، لقد توجهت رأسا للفاعل الحقيقي، منظومة العمل التي لم تتخلص من عيوبها، وهي تأخذ كامل وقتها لتصلحها أو لتستبدلها وحتما سيعود الأزوري سريعا لنجاحاته. تعريفنا للمفاهيم يدل كما يقول الفلاسفة على فهمنا للأشياء.
*عن الإتحاد الإماراتية